هل الرّقي ببلادنا صعب لهذه
الدرجة؟
هل فعلا
نحتاج لمجهودات خارقة وجبارة، لنرقى ببلادنا؟
*******
إليك
حكايتي
ذات يوم، وأنا أتجول
بالدراجة الهوائية، صادفت أنبوب ماء شرب قد انفجر، الماء العذب الصافي
ينسكب على الطريق ولا أحد يستطيع إيقافه.. الأنبوب ملكية عمومية لأجل إمداد
المنازل بالماء الشروب، كما هو معلوم
أكملت سيري وأنا أدري بتواجد
مكتب لشركة الماء في الطريق، وصلت وأخبرتهم عن الأنبوب المنكسر وسيلان
المياه، ثم انصرفت لجولتي
ساعة بعدها وأنا عائد للبيت
من نفس الطريق، وصلت لأنبوب إمداد الماء الشروب ذاك فوجدت مجموعة عمال
يقومون بإصلاح الخلل، سيارة تابعة لشركة الماء بالإضافة إلى الشخص الذي
أخبرته قبل ساعة عما رأيت
جرني الفضول للإقتراب، وفهمت
من الشخص ذاك أنني الوحيد من بلّغ عن تسرب الماء العذب هنا
*******
لحظة،
أتساءل
كم شخصا مر قبلي من نفس المكان ولم
يبلغ عن التسرب؟
كم شخصا يقيم بالحي ورآى
التسرب من بدايته، ولم يبلغ الشركة؟
كم شخصا تأذى من الأرض
المبتلة فبدأ يلعن شركة الماء ويرميها بالإهمال؟
كم شخصا يقول إننا متخلفون
لكنه لا يحرك ساكنا؟
كم شخصا ثرثر كثيرا عن
المياه تلك لكنه لم يقم بأي رد فعل؟
*******
لست أزكي نفسي هنا، ولا أذكر القصة
تفاخرا
لكن يومها، أحسست أن التغيير
للأفضل ليس صعبا للغاية، معظمنا لا يقوم بأي جهود تذكر للرقي ببلده،
ومعظمنا يشتكي من بلادنا المتخلفة! كم نحن متناقضون
هل ننتظر من شركة المياه تلك
أن تكلف نائبا لها في كل حي ليبلغها عن أي تسرب أو خلل؟ لن يحدث ذلك أبدا.
إذن لم لا نبادر إلى التبليغ ولو حتى بالهاتف (الذي لن يأخذ أكثر من 5
دقائق) عن أي عطب وخلل عوض أن نثرثر كثيرا حول خدماتنا المتخلفة وبلادنا
العاجزة وشركاتنا الناهبة وشعوبنا المغفلة وووو
حكمة صينية قديمة تقول: لا
يحدث شيء عظيم أبدا بمجرد الجلوس، وهنا أستعير الفكرة فأقول: لا يحدث شيء
عظيم أبدا بمجرد الثرثرة وكلام المجالس الفارغ
*******
الحكاية فوق لا تنحصر في مجال شركة
الماء فحسب، بل تتعداها لسائر تفاصيل الحياة
ـ يحترق مصباح عمود إنارة
عمومي، جميع الجيران متضررون، يشتكون من الظلمة الحالكة، يخافون من اعتداء
أحدهم، يسبون المسؤولين ولا يفتؤون ينتقدون إهمالهم.. مر أزيد من شهر
والمصباح لا زال في سباته الشتوي.. الأهم: لا أحد من المتضررين قام بمحاولة
إصلاح.. لا أحد قدم شكوى لا أحد بلغ شركة الكهرباء أو البلدية.. لا أحد
توقف عن الكلام وحاول إصلاحا.. شهور ثم قرر أحدهم التبليغ عن المصباح،
يومين وعادت الإنارة
ـ تحمّل برنامجا من الانترنت
فتجده لا يدعم العربية، كثيرون يستنكرون الحضور المخجل للعربية في عالم
التقنية، البرنامج يدعم البرتغالية والكورية واليوغوسلافية، لكن العربية؟
لا بالطبع! إذن الشركة إسرائيلية يهودية امبريالية ماسونية رأسمالية معادية
للإسلام والعروبة وهلم جرا من الخزعبلات
السؤال الآن: هل أرسل أحد
المستنكرين رسالة لبريد الشركة يطلب منهم دعم العربية في إصداراتها
المستقبلية؟ هل نقوم بدعم التقنية المحلية والمبرمجين المحليين؟ هل حاولنا
يوما المساهمة في تعريب برمجية حرة ومفتوحة المصدر تجدها مترجمة لعشرات
اللغات إلا العربية؟
ـ تستخدم الحافلة للسفر فإذا
بالجالس جنبك يسترسل في الكلام عن الكراسي الضيقة والزجاج المتسخ والسائق
الأرعن! ثم ينتقل إلى التعريفة الغالية وتأخر الحافلات عن مواعيدها.. كل
هذا يبقى مجرد كلام لا يسمن ولا يغني من جوع، هل قام أحدنا بتقديم شكواه
لشركة الحافلات؟ هل سجل أحدنا رقم الحافلة واتجه لشركة الحافلات يبلغهم عن
السائق المسرع الذي يعرض حياة الركاب للخطر؟ هل اتصل أحدنا بشركة الحافلات
ناقما على تأخر الحافلة عن موعدها؟
تحدثت مع مسؤول استقبال في
مقر شركة الحافلات تلك، أكد لي أنه لم يتلق أي شكوى من أي مستخدم منذ
العصور الغابرة
*******
هذه مجرد أمثلة لا تتطلب منا القيام
بمجهودات خارقة، لا تتطلب بذل مال أو عرق، فقط خطوات بسيطة في المكان
الصحيح
طبعا الأمر ليس بهذه
السهولة، ليس بهذه المثالية، لو طلبنا من السلطة المحلية رصف شوارع الحي
فلن نتلق شيئا مثل: سمعا وطاعة! رغباتكم أوامر معشر المواطنين.. ماذا لو
حاولنا؟ ماذا لو قدمنا شكاوى عدة أنا وأنت وهو وهي وسائر سكان الحي؟
حتى ولو لم يحصل المراد فعلى
الأقل حاولنا، لم نكتف بمجرد الثرثرة والإنتقاد في المجالس واللقاءات..
منطقيا: يستحيل فشل كل المحاولات
*******
أحيانا،
يكثر أحدهم سرد عيوب البلد ويمر على جميع الوزارات، القطاعات العمومية،
الشركات، الشعب، الجيران، الأشجار والعصافير! الجميع متخلف والبلاد كلها
تحت الصفر، لا أحد يستحق الحياة وهو الوحيد صاحب الحلول الناجعة الكفيلة
بالقضاء على كل مظاهر التخلف
تستوقفه
وتطلب منه جوابا لسؤال واحد: لو حصل مكروه لأحدهم، ما هو رقم الطوارئ
للإتصال بالإسعاف؟ يجيب: لا أعرف
*******